فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال أبو السعود:

{قَالَ} أي الله عزَّ وجلَّ {فالحق والحق أَقُولُ} يرفعِ الأوَّلِ على أنَّه مبتدأٌ محذوفُ الخبرِ أو خبرٌ محذوفُ المبتدأِ، ونصبِ الثَّاني على أنَّه مفعولٌ لما بعدَهُ قُدِّم عليه للقصرِ، أي لا أقولُ إلاَّ الحقَّ. والفاءُ لترتيبِ ما بعدَها على ما قبلها أي فالحقُّ قَسَمي {لأَمْلاَنَّ جَهَنَّمَ} على أنَّ الحقَّ إمَّا اسمُه تعالى، أو نقيضُ الباطلِ عظّمه الله تعالى بإقسامِه به أو فأنا الحقُّ أو فقولِي الحقُّ وقوله تعالى: {لأَمْلاَنَّ جَهَنَّمَ} الخ حينئذٍ جوابٌ لقسمٍ محذوفٍ أي والله لأملأنَّ الخ وقوله تعالى: {والحق أَقُولُ} على كلِّ تقديرٍ اعتراضٌ مقرِّرٌ على الوجهينِ الأوَّلينِ لمضمونِ الجملةِ القَسَميَّةِ، وعلى الوجِه الثَّالثِ لمضمونِ الجملةِ المتقدِّمةِ أعني فقولي الحقُّ. وقُرئا منصوبينِ على أنَّ الأوَّلَ مقسمٌ به كقولِك الله لأفعلنَّ وجوابُه لأملأنَّ وما بينهما اعتراضٌ. وقُرئا مجرورينِ على أنَّ الأولَ مقسمٌ به قد أُضمرَ حرفُ قسمِه كقولِك الله لأفعلنَّ والحقَّ أقولَ على حكايةِ لفظِ المقسمِ به على تقديرِ كونِه نقيضَ الباطلِ ومعناه التَّأكيدُ والتَّشديدُ.
وقُرئ بجرِّ الأَولِ على إضمارِ حرفِ القسمِ ونصبِ الثَّانِي على المفعوليَّةِ {مِنكَ} أي من جنسِك من الشَّياطينِ {وَمِمَّن تَبِعَكَ} في الغَوايةِ والضَّلالِ {مِنْهُمْ} من ذريةِ آدمَ {أَجْمَعِينَ} تأكيدٌ للكافِ وما عُطف عليه أي لأملأنَّها من المتبوعينَ والأتباعِ أجمعينَ، كقولِه تعالى: {لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لامْلانَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ} وهذا القولُ هو المرادُ بقوله تعالى: {ولكن حَقَّ القول مِنْى لاَمْلانَّ جَهَنَّمَ مِنَ الجنة والناس أَجْمَعِينَ} وحيثُ كان مناطُ الحكمِ هاهنا اتِّباعُ الشَّيطانِ اتَّضحَ أنَّ مدارَ عدمِ المشيئةِ في قولِه تعالى: {وَلَوْ شِئْنَا لاَتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا} اتباعُ الكَفَرةِ للشَّيطانِ بُسوءِ اختيارِهم لا تحقُّقُ القولِ فليس في ذلك شائبةُ الجبرِ فتدبَّر.
{قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ} على القُرآنِ أو على تبليغِ ما يُوحى إليَّ.
{مِنْ أَجْرٍ} دنيويَ {وَمَا أَنَا مِنَ المتكلفين} أي المتصنِّعين بما ليسُوا من أهلِه حتَّى أنتحلَ النبوة وأتقوَّلَ القُرآنَ {إِنْ هُوَ} أي مَا هُو {إِلاَّ ذِكْرٌ} من الله عزَّ وجلَّ {للعالمين} أي للثَّقلينِ كافَّةً {وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ} أي ما أنبأ بهِ من الوعدِ والوعيدِ وغيرِهما أو صحَّةَ خبرهِ وأنَّه الحقُّ والصِّدقُ {بَعْدَ حِينِ} بعد الموتِ أو يومَ القيامةِ أو عند ظهورِ الإسلامِ وفشوِّه. وقيل: من بقى علمَ ذلك أذا ظهرَ أمرُه وعلاَ ومَن ماتَ علمَهُ بعدَ الموتِ وفيه من التَّهديدِ ما لا يخَفْى.
عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم: «مَن قرأَ سورةَ ص كانَ له بوزنِ كلِّ جبلٍ سخَّره الله لداودَ عشرَ حسناتٍ وعُصم أنْ يُصرَّ على ذنبٍ صغيرٍ أو كبيرٍ» وقال أبُو أمامةَ: عصمَه الله تُعالى من كلِّ ذنبٍ صغيرٍ أو كبيرٍ والله أعلمُ. اهـ.

.قال الألوسي:

{قَالَ} أي الله عز وجل {فالحق والحق أَقُولُ} برفع الأول على أنه مبتدأ محذوف الخبر أو خبر محذوف المبتدأ ونصب الثاني على أنه مفعول لما بعده قدم عليه للقصر أي لا أقول إلا الحق، والفاء لترتيب مضمون ما بعدها على ما قبلها أي فالحق قسمي.
{لأمْلاَنَّ جَهَنَّمَ} على أن الحق إما اسمه تعالى أو نقيض الباطل عظمه الله تعالى بإقسامه به، ورجح بحديث إعادة الاسم معرفة أو فأنا الحق أو فقولي الحق، وقوله تعالى: {لاَمْلاَنَّ} الخ حينئذٍ جواب لقسم محذوف أي والله لأملأن الخ، وقوله تعالى: {والحق أَقُولُ} على تقدير اعتراض مقرر على الوجهين الأولين لمضمون الجملة القسمية وعلى الوجه الثالث لمضمون الجملة المتقدمة أعني فقولي الحق.
وقول {فالحق} مبتدأ خبره {لاَمْلاَنَّ} مبتدأ خبره {لاَمْلاَنَّ} لأن المعنى أن أملأ ليس بشيء أصلًا.
وقرأ الجمهور {فالحق والحق} بنصبهما وخرج على أن الثاني مفعول مقدم كما تقدم والأول مقسم به حذف منه حرف القسم فانتصب كما في بيت الكتاب:
إن عليك الله أن تبايعا ** تؤخذ كرهًا أو تجىء طائعًا

وقولك: الله لأفعلن وجوابه {لاَمْلاَنَّ} وما بينهما اعتراض وقيل هو منصوب على الإغراء أي فالزموا الحق و{لاَمْلاَنَّ} جواب قسم محذوف، وقال الفراء: هو على معنى قولك حقًا لآتينك ووجود أل وطرحها سواء أي لأملأن جهنم حقًا فهو عنده نصب على أنه مصدر مؤكد لمضمون الجملة، ولا يخفى أن هذا المصدر لا يجوز تقديمه عند جمهور النحاة وأنه مخصوص بالجملة التي جزآها معرفتان جامدان جمودًا محضًا.
وقال صاحب البسيط: وقد يجوز أن يكون الخبر نكرة والمبتدأ يكون ضميرًا نحو هو زيد معروفًا وهو الحق بينا وأنا الأمير مفتخرًا ويكون ظاهرًا نحو زيد أبوك عطوفًا وأخوك زيد معروفًا اه فكأن الفراء لا يشترط في ذلك ما يشترطون.
وقرأ ابن عباس ومجاهد والأعمش بالرفع فيهما، وخرج رفع الأول على ما مر ورفع الثاني على أنه مبتدأ والجملة بعده خبر والرابط محذوف أي أقوله كقراءة ابن عامر {وَكُلٌّ وَعَدَ الله الحسنى} [النساء: 95] وقول أبي النجم:
قد أصبحت أم الخيار تدعي ** علي ذنبًا كله لم أصنع

برفع كل ليتأتى السلب الكلي المقصود للشاعر.
وقرأ الحسن، وعيسى، وعبد الرحمن بن أبي حماد عن أبي بكر بجرهما، وخرج على أن الأول: مجرور بواو القسم محذوفة أي فوالحق، والثاني: مجرور بالعطف عليه كما تقول: والله والله لأقومن، و{أَقُولُ} اعتراض بين القسم وجوابه، وجعله الزمخشري مفعولًا مقدمًا لأقول والجر على حكاية لفظ المقسم به قال: ومعناه التوكيد والتشديد وإفادته ذلك زيادة على ما يفيده أصل الاعتراض لأن العدول عما يقتضيه من الإعراب إلى الحكاية لما كان لاستبقاء الصورة الأولى دل على أنها من العناية في شأنها بمكان وهذا جار في كل حكاية من دون فعل قول وما يقوم مقامه فيدل فيما نحن فيه على فضل عناية بشأن القسم ويفيد التشديد والتوكيد.
وقرئ بجر الأول على إضمار حرف القسم ونصب الثاني على المفعولية {مِنكَ} أي من جنسك من الشياطين {وَمِمَّن تَبِعَكَ} في الغواية والضلالة {مِنْهُمْ} من ذرية آدم عليه السلام {أَجْمَعِينَ} توكيد للضمير في {مِنكَ} والضمير المجرور بمن الثانية، والمعنى لأملأن جهنم من المتبوعين والتابعين أجمعين لا أترك منهم أحدًا أو توكيد للتابعين فحسب والمعنى لأملأنها من الشياطين وممن تبعهم من جميع الناس لا تفاوت في ذلك بين ناس وناس بعد وجود الأتباع منهم من أولاد الأنبياء وغيرهم، وتأكيد التابعين دون المتبوعين لما أن حال التابعين إذا بلغ إلى أن اتصل إلى أولاد الأنبياء فما بال المتبوعين.
وقال صاحب الكشف: صاحب هذا القول اعتبر القرب وأن الكلام بين الحق تعالى شأنه وبين الملعون في شأن التابعين فأكد ما هو المقصود وترك توكيد الآخر للاكتفاء.
هذا واعلم أن هذه القصة قد ذكرت في عدة سور وقد ترك في بعضها بعض ما ذكر في البعض الآخر للإيجاز ثقة ما ذكر في ذلك وقد يكون فيها في موضعين مثلًا لفظان متحدان مآلا مختلفان لفظًا رعاية للتفنن، وقد يحمل الاختلاف على تعدد الصدور فيقال مثلًا: إن اللعين أقسم مرة بالعزة فحكى ذلك في سورة {ص} بقوله تعالى: {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ} وأخرى بإغواء الله تعالى الذي هو أثر من آثار قدرته وعزته عز وجل وحكم من أحكام سلطانه فحكى ذلك في سورة [الأعراف: 16] بقوله تعالى: {قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِى} وقد يحمل الاختلاف على اختلاف المقامات كترك الفاء من قوله: {أَنظِرْنِى إلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [الأعراف: 14] ومن قوله تعالى: {إِنَّكَ مِنَ المنظرين} [الأعراف: 15] في الأعراف مع ذكرها فيهما في {ص} والذي يجب اعتباره في نقل الكلام إنما هو أصل معناه ونفس مدلوله الذي يفيده وأما كيفية إفادته له فليس مما يجب مراعاته عند النقل البتة بل قد تراعي وقد لا تراعي حسب اقتضاء المقام، ولا يقدح في أصل الكلام تجريده عنها بل قد تراعي عند نقله كيفيات وخصوصيات لم يراعها المتكلم أصلًا حيث أن مقام الحكاية اقتضتها وهي ملاك الأمر ولا يخل ذلك بكون المنقول أصل المعنى كما قد حققه صدر المفتين أبو السعود وأطال الكلام فيه فليراجع.
{قُلْ مَا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ} أي على القرآن كما روي عن ابن عباس أو على تبليغ ما يوحى إلي أو على الدعاء إلى الله تعالى على ما قيل {مِنْ أَجْرٍ} أي أجرًا دنيويًا جل أو قل {وَمَا أَنَا مِنَ المتكلفين} من الذين يتصنعون ويتحلون بما ليسوا من أهله وما عرفتموني قط متصنعًا ولا مدعيًا ما ليس عندي حتى انتحل النبوة وأتقول القرآن فأمره صلى الله عليه وسلم أن يقول لهم عن نفسه هذه المقالة ليس لإعلامهم بالمضمون بل للاستشهاد بما عرفوه منه عليه الصلاة والسلام وللتذكير بما علموه وفي ذلك ذم التكلف.
وأخرج ابن عدي عن أبي برزة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أنبئكم بأهل الجنة؟ قلنا: بلى يا رسول الله قال: هم الرحماء بينهم قال: ألا أنبئكم بأهل النار؟ قلنا: بلى قال: هم الآيسون القانطون الكذابون المتكلفون» وعلامة المتكلف كما أخرجه البيهقي في شعب الإيمان عن ابن المنذر ثلاث أن ينازل من فوقه ويتعاطى ما لا ينال ويقول ما لا يعلم، وفي الصحيحين أن ابن مسعود قال: أيها الناس من علم منكم علمًا فليقل به ومن لم يعلم فليقل الله تعالى أعلم قال الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: {قُلْ مَا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ المتكلفين}.
{إِنْ هُوَ} أي ما هو أي القرآن {إِلاَّ ذِكْرٌ} جليل الشأن من الله تعالى: {للعالمين} للثقلين كافة.
{وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ} أي ما أنبأ به من الوعد والوعيد وغيرهما أو خبره الذي يقال فيه في نفس الأمر وهو أنه الحق والصدق {بَعْدَ حِينِ} قال ابن عباس وعكرمة وابن زيد: يعني يوم القيامة، وقال قتادة والفراء والزجاج: بعد الموت، وكان الحسن يقول: يا ابن آدم عند الموت يأتيك الخبر اليقين، وفسر نبؤه بالوعد والوعيد الكائنين في الدنيا، والمراد لتعلمن ذلك بتحققه إذا أخذتكم سيوف المسلمين وذلك يوم بدر وأشار إلى هذا السدي، وأيًّا ما كان ففي الآية من التهديد ما لا يخفى. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ (84)} أي قال الله تعالى تفريعًا، وهذا التفريع نظير التفريع في قوله: {فبعزَّتِكَ لأُغوينهم أجمعينَ} [ص: 82].
وقوبل تأكيد عزمه الذي دل عليه قوله: {فبعزتك} [ص: 82] بتأكيدٍ مثله، وهو لفظ {الحقَّ} الدال على أن ما بعده حق ثابت لا يتخلف، ولم يزد في تأكيد الخبر على لفظ {الحق} تذكيرًا بأن وعد الله تعالى حق لا يحتاج إلى قَسَم عليه ترفعًا من جلال الله عن أن يقابل كلام الشيطان بقَسَم مثله.
ولذلك زاد هذا المعنى تقريرًا بالجملة المعترضة وهي {والحقّ أقول} الذي هو بمعنى: لا أقول إلا الحق، ولا حاجة إلى القَسَم.
وقرأ الجمهور: {فالحقّ} بالنصب وانتصابه على المفعولية المطلقة بدلًا عن فعل من لفظه محذوففٍ تقديره: أُحقّ، أي أُوْجب وأحقّق.
وأصله التنكير، فتعريفه باللام تعريف الجنس كالتعريف في: أرسلَها العِراك، فهو في حكم النكرة وإنما تعريفه حِلية لفظية إشارة إلى ما يعرفه السامع من أن الحق ما هو وتقدم بيانه في أول الفاتحة.
وقرأه عاصم وحمزة بالرفع على أنه لمَّا تعرف باللام غلبت عليه الاسمية فتنوسي كونه نائبًا عن الفعل.
وهذا الرفع إما على الابتداء، أي فالحق قولي، أو فالحق لأملأنّ جهنم الخ، على أن تكون جملة القَسَم قائمة مقام الخبر، وإمّا على الخبرية، أي فقولي الحقّ وتكون جملة {لأملأنَّ جهنَّمَ} مُفسر القول المحذوف، ولا خلاف في نصب الحق من قوله: {والحق أقول}.
وتقدم تفصيل ذلك في أول سورة الفاتحة.
وجملة {لأملأنَّ جهنَّمَ منكَ} الخ مبيّنة لجملة {فالحق} وهي مؤكدة بلام القسم والنون.
وتقدم المفعول في {والحق أقول} للاختصاص، أي ولا أقول إلا الحق.
و مِن في قوله: {منك وممن تبعك} بيانية وهي التي تدخل على التمييز وينتصب التمييز بتقدير معناها.
وتدخل على تمييز كَم في نحو {كم أهلكنا من قبلهم من قرن} [ص: 3]، وهي هنا بيان لما دل عليه {لأملأن} من مقدار مبهم فبيّن بآية {منك وممن تبعك} ولما كان شأن مدخول من البيانية أن يكون نكرة تعين اعتبار كاف الخطاب في معنى اسم الجنس، أي من جنسك الشياطين إذ لا تكون ذات إبليس مِلًا لجهنم.
وإذ قد عطف عليه وممن تبعك منهم أي من تبعك من الذين أغويتهم من بني آدم، فلا جائز أن يبْقى من عدَا هذين من الشياطين والجِنة غير مِلْءٍ لجهنم.
وأجْمعينَ توكيد لضمير {مِنْكَ} و{لمَن} في قوله: {ومِمَّن تَبِعَكَ}.
واعلم أن حكاية هذه المقاولة بين كلام الله وبين الشيطان حكاية لما جرى في خَلد الشيطان من المدارك المترتبة المتولدة في قرارة نفسه، وما جرى في إرادة الله من المسببات المترتبة على أسبابها من خواطر الشيطان لأن العالم الذي جرت فيه هذه الأسباب ومسبباتها عالم حقيقة لا يجري فيه إلا الصدق ولا مطمع فيه لترويج المواربة ولا الحيلة ولذلك لا تعد خواطر الشيطان المذكورة فيه جرأة على جلال الله تعالى ولا تعدّ مجازاة الله تعالى الشيطانَ عليه تنازلًا من الله لمحاورة عبد بغيض لله تعالى.
وقد ذكرنا في تفسير سورة الحجر ما دلت عليه الأقوال التي جرت من الشيطان بين يدي الله تعالى والأقوالُ التي ألقاها الله عليه.
{قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ (86)} لمّا أمر الله رسوله بإبلاغ المواعظ والعبر التي تضمنتها هذه السورة أمره عند انتهائها أن يقرع أسماعهم بهذا الكلام الذي هو كالفذلكة للسورة تنهية لها تسجيلًا عليهم أنه ما جاءهم إلا بما ينفعهم وليس طالبًا من ذلك جزاء، أي لو سألهم عليه أجرًا لراج اتّهامهم إياه بالكذب لنفع نفسه، فلما انتفى ذلك وجب أن ينتفي توهم اتهامه بالكذب لأن وازع العقل يصرف صاحبه على أن يكذب لغير نفع يرجوه لِنفسه.